على مدى يومين، الفيسبوك مقلوب فوق تحت على مؤتمر الشباب: صور وترافقها تعليقات سخرية وتهم متعددة، انسحابات، بيانات، تشكيك، وجدال وحرب مستعرة، وكلٌ يشتم الآخر، وكلٌ لا ينتهي من تكسير وتخريم أحلام الآخر.
طيب، وبعد كل هذه الحرب على أرضية مارك الزرقاء، وهي صورة تعكس ما هو فعلاً على الواقع، د ما هي النتيجة؟ لا شيء سوى: ناس ضد ناس، وعلّقوا بها الدنيا كما قالت أغنية فيروز!.
أنا لم أشارك في مؤتمر الشباب، ولا أشتي أشارك، ولا لي نية أشارك مستقبلًا لمن قد يفهم بأن حديثي لغرض الوصول أو التقرب ، لكن قلت ذلك ليس زهدًا ولا اعتزالًا، أو انتقاصًا من جهود أحد سواءً في البناء أو في التحطيم، وما يصاحب العملية الأولية من ثغرات واختلالات كثيرة، وما يرافق الثانية من أزمات، التي تفضي إلى ظاهرة مفادها: بأن نأكل سويًّا أو نكسر الفكرة، وإن كانت في جزءٍ منها سويّة.
لم تتملكني رغبة في شيء من ذلك، وكتبت هنا لأني لا أرى نفسي داخل مشهد مكرّر، تُعاد فيه نفس المظالم. أقول الدمعة، وليس معنى ذلك اليأس، ولكن أجد أن مشاركة الإبداع نفسه كمسمّى أصيل بكل فروعه، وسط مؤتمرات أو ورش تستجيب لمحددات معينة، سيُخضعها بشكلٍ أو بآخر نحو مأساة تكون فيها الكلمة والفكرة مجرد ضحية بفعل أقدام “المكايدات” الحزبية، وهذا ما بدا واضحًا مؤخراً وبكل أسف.
ما حدث في مؤتمر الشباب الأخير بتعز، لم يكن مجرد خلافات تنظيمية أو تباين رؤى، ما حصل كان أقرب لحربٍ مصغّرة، انطلقت بين تيارات وقوى ترتدي عباءة “الشباب” وتدعو إليه، لكنها لا ترى من الشباب سوى من يُمثّل مصالحها أو يردّد خطابها.
وهنا لسنا في موضع النيل أو توجيه التهمة لأحد، فنعرف أصدقاء منهم، ويجب أن نحترم جهودهم، ونحن مع كل التصفيق لتأملاتهم، ولكن الحديث حول الأثر والفارق في المخرجات الفعلية للشباب نفسه، الذي يكاد يموت بين المحاولة والتكسير، وما يرافق البناء والتكسير من توجهات ومسارات تُلقي بالشباب عرض الحائط، ولكنها تبكي معهم، لأن الوصول إلى ما تراه، يقوم على الدمعة والفكرة والحلم، للشاب نفسه الذي سقط ضحية بين مجمل تلك الممارسات.
والمشكلة الأعمق أن هذه الحرب ليست طارئة، بل هي امتداد لمسار طويل من تهميش الأصوات المبدعة، الحقيقية، النزيهة، التي اختارت أن تشتغل بصمت، أن تصنع أثرًا، لا لأجل شيء، بل لأجل الذات.
في مؤتمرات كهذه، يكثر الحديث عن التمكين، والحوار، والتنوع، وبينما يتم العمل على الدراسة والورش حول ذلك، يتم تغييب الأثر في المخرجات.
والحديث هنا ليس استباقًا من شأنه التحطيم، بل نتيجة لغياب الكثير من مبدعي المدينة عن المؤتمر، ومعه الاختلافات التي أثبتت أنها ليست حميمية، الناشئة من مكونات لجان المؤتمر.
لماذا لا يكون المعيار هو الفعل؟ الأثر؟ الإنجاز الحقيقي؟ بدلًا من أن يكون المؤتمر منبرًا جامعًا، تحوّل إلى منصة صراع وانسحابات، وخطابات تنتهي بالخروج، لا بالبناء.
وحتى الأخطاء، طبيعي أن تحدث، لكن ردّة الفعل دومًا هي التكسير لا الترميم، وكأننا لا نتقن سوى فن هدم ما لا يعجبنا.
للأسف، بدل أن يكون المؤتمر نقطة التقاء، صار مناسبة أخرى تكشف الشرخ الكبير بين من يتحدث باسم الشباب، وبين من يمثّلهم فعلًا.
ورغم كل ذلك، ما زلت أقول: شكرًا للجميع، حتى من اختار طريق الشتات، لأنه – على الأقل – كان واضحًا، وقال موقفه صراحة.
أما الذين يغرقون في الغرف المغلقة والدكاكين الحزبية، فقد أضاعوا فرصة كان يمكن أن تبني شيئًا.
أنا مع الشيخوخة، أقولها حسرةً بسبب حروبكم، وأنا والشباب جميعًا جزء من تلك الحرب، ولكن هناك فرقًا بين من يمسك زمام القرار، وبين من يتلقى الدخان على التواصل الاجتماعي، وهنا الكثير من الشباب كنتم سببًا في تصدير اليأس إليهم، وأشركتموهم في الحرب كمتلقّين لدخانٍ من شأنه فقط إضافة المزيد من الألم.
وهنا تصبح الراية: الشيخوخة، لأنها على الأقل لا ترفع شعار الأمل لتدوسه تحت الأقدام.
أنا مع الاعتراف بالحقيقة: أن الشباب ليسوا كتلة واحدة، لكنهم يستحقون مساحة نظيفة، لا مؤتمرات تُخاض فيها الحروب بأسمائهم، دون أن يكونوا حاضرين.
كفى حرباً أو بالأصح كفى شتاتاً ، وكفاكم دخاناً يوغل بتصدير البؤس والألم كفى منشورات وبيانات… كفانا فرجة على حطامٍ اسمه الشباب!.
وهنا أتحدث بصفتي كأحد شباب المدينة الذين يتأملون النتيجة والأثر، ولم نرَ أي بصيص أمل، سوى حروب هنا وهناك، وإماتة للأمل نفسه، دون أن يكون قد حاول الولادة، مع زهور كثيرة متفرقة على مساحة المدينة كلها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news