الضالع.. ملحمة التحرير الجنوبي الأولى وبوابة كسر المشروع الفارسي اليمني
تحل الذكرى العاشرة لتحرير الضالع، والقلوب مفعمة بالفخر والامتنان لأولئك الأبطال الذين خطّوا ملاحم النصر بدمائهم الطاهرة، رافعين راية الجنوب في وجه الاحتلال والإرهاب.
سُطرت في محافظة الضالع أولى صفحات المجد والانتصار للمشروع الوطني الجنوبي، حينما تحوّلت هذه المدينة الصامدة إلى معقل للثورة، وخطّ دفاع أول عن كرامة الأرض والعقيدة الجنوبية، وأول منطقة تُطهّر من ميليشيات الحوثي والإخوان في حرب 2015. لم تكن الضالع مجرد جغرافيا، بل كانت بوابة للتحرير، وصمام أمان لكل جنوب يرفض العودة إلى مربع الاحتلال اليمني. فماذا حدث؟ وكيف تحررت الضالع؟ وما الذي تمثّله اليوم في الوجدان الجنوبي والمشروع الوطني الجنوبي الشامل؟
-خلفية الصراع ومحاولة اجتياح الضالع
مع اجتياح ميليشيا الحوثي للعاصمة صنعاء وتحالفها مع قوات المخلوع علي عبد الله صالح، تمددت تلك القوات شمالاً وجنوباً في محاولة لإخضاع اليمن تحت قبضة انقلابية طائفية، تمثل امتداداً لمشروع إيران التوسعي. كانت الضالع من أولى محافظات الجنوب التي واجهت تلك الميليشيات بقوة السلاح والإرادة، فبادرت إلى التصدي لمحاولات اجتياحها منذ الساعات الأولى، وأفشلت المخططات الرامية إلى تفكيك النسيج الجنوبي. لمحة تاريخية عن المعركة:
وعندما اندلعت معركة تحرير الضالع في وقت عصيب كانت فيه القوى اليمنية الشمالية تحاول فرض سيطرتها بالقوة على الجنوب، مستغلة الانقلاب الحوثي والتحالفات المشبوهة. إلا أن أبناء الضالع، بقيادة المقاومة الجنوبية والقيادات المحلية، تصدّوا ببسالة للهجوم، وتمكنوا من تحرير المدينة خلال فترة وجيزة رغم ضعف الإمكانيات. وقد خاض أبناء الضالع، وفي مقدمتهم المقاومة الجنوبية، مواجهات شرسة في مناطق سناح، وحجر، ومريس، وقعطبة، استخدم فيها الحوثيون كل أدوات الحرب، لكنهم فشلوا أمام بسالة رجال الضالع وإيمانهم بقضية الجنوب.
-أهمية الضالع الاستراتيجية .. مهد المقاومة الجنوبية
تقع الضالع في قلب الجنوب، وتشكل بوابة عبور نحو عدن ولحج وأبين، ومن هنا كانت معركتها فاصلة. وقد أدرك العدو أن السيطرة عليها تعني تهديد المشروع الجنوبي بأكمله، لذلك حشد لها أكبر قدر من القوة، لكنه فشل في كسر إرادة رجالها.
لم تكن الضالع حديثة العهد بالمقاومة؛ فهي المحافظة التي فجرت الحراك الجنوبي منذ 2007، ودفعت بأغلى قوافل الشهداء في ساحات النضال السلمي. ومع اندلاع الحرب في 2015، كانت جاهزة للتحول إلى جبهة عسكرية تقارع المشروع الحوثي الإيراني.
شكلت المقاومة الجنوبية في الضالع نموذجًا فريدًا في التنظيم والفاعلية، فأسست أولى الألوية الجنوبية المقاومة، ومن هناك انطلقت كتائب الشهداء، وبرز قادة ميدانيون أمثال الشهيد شلال الشوبجي، والقائد البطل عدلان الحتس، وغيرهم من الأبطال الذين صنعوا الفارق في المعركة.
-المعركة الفاصلة.. تحرير الضالع
في مايو 2015، أعلنت المقاومة الجنوبية السيطرة الكاملة على مدينة الضالع، بعد معارك طاحنة مع الميليشيات الحوثية. كان ذلك الانتصار بمثابة نقطة تحوّل في مسار الحرب، إذ كسرت الضالع هيبة الميليشيات، وأثبتت أن الجنوب قادر على التحرير دون الاعتماد على قوات الشمال أو دعم خارجي كبير.
معارك سناح، وجبهات حجر، ومعسكر الصدرين، والعللة، مثلت ملاحم تاريخية، وسطر فيها المقاتلون الجنوبيون مواقف بطولية أعادت الروح للجنوب كله، وأعادت رسم الخارطة العسكرية. شارك في المعركة آلاف المقاتلين من أبناء الضالع والجنوب عامة، وبرزت قيادات ميدانية مثل القائد شلال شائع، وغيره من رموز الصمود، الذين شكّلوا نواة لتشكيل القوات المسلحة الجنوبية لاحقًا. قُدمت التضحيات وسُفكت دماء الأبطال على التلال والجبال والوديان دفاعًا عن الأرض والهوية.
-ما بعد التحرير.. الاستقرار والتأمين
لم تكتفِ الضالع بالتحرير، بل شرعت في بناء قوات أمنية ومجتمعية ضمنت الاستقرار، وتحولت إلى مركز تعبوي للثورة الجنوبية، ومنها انطلقت حملات التوعية الوطنية، والتعبئة الشعبية، والدعم المستمر لجبهات القتال الأخرى. كما شكّلت مصدر إلهام لكافة محافظات الجنوب في مقاومة المشروع الحوثي والإخواني. وتصدت لاحقًا لمحاولات تسلل حوثية متكررة. تأسست قوات الحزام الأمني في الضالع، ومثلت الذراع الأمني القوي للحفاظ على المكاسب الوطنية. كما تم تشكيل قوات النخبة القتالية التي انتشرت في حدود المحافظة مع إب والبيضاء، لتأمين الحدود الجنوبية.
أسهم استقرار الضالع في إعادة تطبيع الحياة، وعودة الخدمات، رغم الحرب المستمرة، وقلة الموارد. وتمكنت السلطة المحلية بدعم من المجلس الانتقالي الجنوبي من تحسين مستوى المعيشة والأمن في وقت قياسي.
-الضالع والبعد السياسي للتحرير
لم يكن انتصار الضالع عسكرياً فقط، بل كان سياسيًا بامتياز. فهو أول انتصار يسجل باسم الجنوب، ويبرهن أن شعب الجنوب يمتلك قراره السيادي. من الضالع انطلق الصوت الجنوبي الحر الذي قال "لا عودة إلى باب اليمن"، و"الجنوب لكل الجنوبيين".
أصبحت الضالع رمزًا للوحدة الجنوبية، ومصدر إلهام لمناطق مثل عدن، وأبين، وشبوة، وحضرموت، المهرة وسقطرى التي استلهمت منها نموذج المقاومة والتحرير. كما تحولت إلى قاعدة سياسية، حيث أُسست فيها أولى الهياكل الداعمة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وشكلت حاضنة شعبية رافعة للمشروع الوطني الجنوبي التحرري.
-الضالع هدف دائم للعدو
لم تغفر الميليشيات الحوثية والإخوانية للضالع كسرها لهيبتهم، فاستمرت في استهدافها عسكريًا وإعلاميًا. تعرضت الضالع لمحاولات اختراق متكررة، وقصف مدفعي، وصاروخي، بل واغتيالات لشخصيات سياسية وعسكرية. لكن الجبهة الداخلية بقيت صلبة، والمجتمع الجنوبي في الضالع كان على درجة عالية من الوعي والجاهزية.
حاولت القوى المعادية زرع الفتنة بين مديريات الضالع، وإشعال النزاعات القبلية، لكنها فشلت أمام وعي المواطنين، ودور النخب المجتمعية والدينية في تحصين النسيج الداخلي.
-دلالات النصر ومكانة الضالع
تحوّلت الضالع إلى رمز للكرامة، ومثّلت النصر الأول للمشروع الجنوبي المقاوم. إن ذكرى تحرير الضالع لا تُعد مناسبة للاحتفال فحسب، بل محطة لتجديد العهد على المضي نحو الاستقلال، والوفاء لدماء الشهداء الذين عبدوا الطريق نحو الحرية.
-رسائل من الضالع إلى الجنوب
إرادة التحرير تنبع من الداخل: أثبتت الضالع أن القرار الجنوبي إذا كان موحدًا، يستطيع كسر أي غزو أو احتلال مهما كانت قوته.
التحرير لا يُنتزع إلا بالقوة: أرسلت الضالع رسالة للعالم بأن استعادة الجنوب لا تكون إلا بإرادة أبناءه وبالقوة إذا اقتضى الأمر.
الهوية الجنوبية لا تُقهر: حملت الضالع راية الجنوب خفاقة رغم الحرب، وأكدت أن الجنوب ليس تابعًا، بل صاحب مشروع، وله قيادة وشعب ومصير مستقل.
إلى الأجيال القادمة: تعلموا من الضالع معنى الصمود والتضحية، فهي مدرسة وطنية لا تنضب.
-دور الضالع في المعارك اللاحقة
لم تتوقف مساهمة الضالع عند حدود محافظتها، بل شاركت قواتها في جبهات الساحل الغربي، والحديدة، والضالع الشرقية، ومناطق الصبيحة، وكرش، وحتى في شبوة. وكان لألوية الضالع دور كبير في معركة تحرير عدن، وحماية لحج، وقطع الإمداد عن الحوثيين.
كما أن شخصيات من الضالع تقلدت مناصب قيادية في القوات المسلحة الجنوبية، ما عزز حضور الضالع كقوة نضالية ومؤسسية في إطار الجنوب الموحد.
-مواجهة الحملات الإعلامية المعادية
في مقابل الانتصارات الميدانية، واجهت الضالع وأبناء الجنوب حملات تضليل إعلامية شرسة هدفت إلى طمس الحقائق وتشويه التاريخ. إلا أن وعي الشعب الجنوبي، وتمسكه بسرد الرواية الحقيقية، أسقط تلك المحاولات الواهية. لقد كتب أبناء الجنوب تاريخهم بأيديهم، ووقفوا في وجه التضليل، مؤكدين أن الدفاع عن النصر لا يقل أهمية عن تحقيقه.
-مستقبل الضالع ودورها الوطني
اليوم، تمثل محافظة الضالع حجر الأساس في بناء الدولة الجنوبية القادمة. فبجانب موقعها الجغرافي المهم، فإن وعيها الوطني، واستعدادها الدائم للدفاع، وكوادرها المؤهلة، يجعلها ركيزة من ركائز الجنوب السياسي والأمني والعسكري. وتُعول عليها القيادة الجنوبية في إنجاح مشروع الاستقلال الكامل، كونها قاعدة دعم شعبي وسياسي وعسكري لا يمكن تجاوزها.
الضالع ليست مجرد صفحة في كتاب النضال الجنوبي، بل هي فصله الأول وعموده الفقري. من جبالها انطلقت أولى الرصاصات نحو التحرير، ومن رجالها انبعثت أولى صرخات الاستقلال. واليوم، تواصل الضالع دورها الوطني، تؤكد من جديد أن الجنوب لا يُحرر إلا بأيدي أبنائه، وأن مشروع الاحتلال إلى زوال.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news