كتب : وائل عزعزي
في زاوية من زوايا تهامة، حيث الريح تروي حكايات الجدود، وتحت أشجار النجد في حجفات، وُلد رجل لا يُشبه إلا نفسه. رجل نذر عمره للموقف، لا للمكاسب، للحقيقة، لا للواجهة. اسمه هاشم عبدالرزاق العزعزي، رجل لا تعرفه المكاتب الوثيرة، بل تعرفه طرقات الناس، وهمومهم، وملامحهم التي تشبه ملامحه.
ناصريٌ حتى النخاع، وحدوي بالفطرة، اشتراكي بالفكر والممارسة. لم يتعلم من الكتب وحدها، بل من الأرض، من الناس، من معاناة الفقراء، ومن قصص البسطاء الذين وجد فيهم حقيقته.
المنصب لا يصنع الرجال...
ما أكثر ما طُلب منه أن يتولى المناصب! لكنه رفض، مرارًا وتكرارًا. لم يكن رفضه عن زهدٍ أجوف، بل عن وعي عميق بأن الكرسي الذي لا يخدم الشعب لا قيمة له. وأن الوجاهة التي تُفرّغ الإنسان من مبدئه ليست إلا قيدًا ناعمًا. فاستقال، وانسحب، ووقف في صف البسطاء، لا خلف الميكروفونات.
في زمنٍ يركض فيه كثيرون خلف "اللقب"، وقف هو ليقول: "الشرف ليس في المنصب، بل في أن تبقى حرًّا، وفي أن تقول (لا) حين يكون (نعم) خيانة."
حين تتحدث معه...
تشعر أنك أمام إبراهيم الحمدي في صدقه وحنانه على المواطن. تشمّ رائحة جمال عبد الناصر في كل كلمة يقولها عن الوحدة، عن الكرامة، عن الوطن الكبير الذي لا تحدّه جغرافيا، ولا تقطّعه طائفية، ولا تُصيبه لعنة الانقسام.
يتحدث عن الوطن كأم واحدة، لا يفرّق بين شمال وجنوب، ولا بين سهل وجبل، ولا بين حضري وقروي. يرى اليمن جسدًا واحدًا، وروحًا واحدة، لا يشفيها إلا عدالة حقيقية، وحرية محترمة، ومساواة لا تستثني أحدًا.
ابن تهامة الأصيل...
ابن الأرض التي لا تكذب، ولا تتصنّع. تهامة التي إذا أحبّت، أحبّت بصدق. من هناك جاء، من العزاعز، من قلب "النجد" الذي ظل ينبت رجالًا يعرفون أن الشرف لا يُشترى، وأن المواقف لا تُورّث، بل تُبنى بالحياة والتجربة والدموع أحيانًا.
هاشم عبدالرزاق لم يكن سياسيًّا تقليديًّا، بل كان ويظل صوتًا أخلاقيًّا. لم يدخل معارك الوجاهة، لكنه خاض أشرس المعارك من أجل الناس. لم يحمل سيفًا، لكنه قاتل بالصبر، وبالكلمة، وبالانسحاب من مواقع الخديعة.
وما يزال حيًّا...
حيًّا في الشارع، في الناس، في الذاكرة، وفي الضمير الجمعي لكل من عرفه. حيًّا لا لأنه يتنفس، بل لأنه يُنبت فينا إيمانًا بأن الأمل لا يموت، وأن في هذا البلد رجالًا، مهما تعرّت السلطة، يبقون هم السند، وهم المقياس.
هاشم عبدالرزاق العزعزي ليس مجرد اسم، بل هو قصة كرامة، وحكاية رجل آمن وما زال يؤمن أن الإنسان أغلى ما في هذا الوطن.
هاشم عبدالرزاق العزعزي الناصري الوحدوي: صوت المبدأ وسط ضجيج المناصب
في زمنٍ تداخلت فيه المصالح مع المبادئ، وتميع فيه المواقف، يظل هاشم عبدالرزاق العزعزي واقفًا كجبل حجفات، شامخًا بمواقفه، ثابتًا على قناعاته، لا يهادن، ولا يساوم، ولا يبيع صوته في سوق السياسة.
هو الناصري حتى النخاع، الاشتراكي بالوجدان والفكر، الذي عشق فكر عبد الناصر، وآمن بأن الإنسان هو جوهر الوطن، وأن العدالة والكرامة ليست شعارات، بل التزام يومي. عندما تتحدث معه، تشعر أن روح جمال عبد الناصر وإبراهيم الحمدي تسري في كلماته، وأنك أمام رجلٍ يعيش المبادئ لا يرددها.
ابن العزاعز، ابن نجد حجفات، ووجه من وجوه تهامة الأصيلة. رجل بسيط في حياته، عظيم في مواقفه. ما يزال إلى اليوم يرفض كل منصب لا يخدم الشعب، وكل موقع يُطلب فيه أن يصمت أو يُجامل أو يُساير على حساب القيم. لقد استقال بإرادته من كل منصب لا يتوافق مع قناعاته، لأنه لا يرى في المنصب وجاهة، بل مسؤولية.
يعيش هاشم بين الناس، قريبا من آلامهم، مؤمنا أن الوطن لا يُبنى بالخطابات، بل بالمواقف الصادقة والالتزام الأخلاقي والإنساني.
هاشم عبدالرزاق هو من أولئك الذين لا يموتون وهم أحياء، لأنهم باقون في الوجدان والضمير. ما زال حيًّا، يُقاوم بصمته، ويواجه بثباته، ويعلّمنا أن الكرامة لا تُمنح، بل تتنزع
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news