ملاحقة جماعة «الإخوان» عالمياً
قبل 2 دقيقة
تأخرت أوروبا كثيراً في التحرك لمنع خطر جماعة «الإخوان»، وها هي فرنسا التي كانت متأخرةً هي الأخرى تبدأ في ملاحقة نشاط جماعة «الإخوان» اليوم، فهذا مجلس الدفاع في باريس برئاسة إيمانويل ماكرون يُحذّر من تنامي نفوذ جماعة «الإخوان المسلمين» في الضواحي الفرنسية، بل ويعدُّ الحركة تشكّل «تهديداً للتماسك الوطني»، ويطالب باتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشار ما يُعرف بـ«الإسلام السياسي» وتأثيره على المجتمع الفرنسي.
التقرير الفرنسي الذي وُصف بالسري حذَّر من تنامي نفوذ جماعة «الإخوان» في المجتمعات المحلية الفرنسية ومدى خطورته على «التآكل التدريجي للقيم العلمانية»، كما وصفها التقرير نصاً: «إنّ حقيقة هذا التهديد، حتى وإن لم يكن عنيفاً، تُشكّل خطراً على نسيج المجتمع وعلى نطاق أوسع، على التماسك الوطني»، فباريس تلاحق مؤسسة «ابن رشد» الإخوانية بعد أن تسللت جماعة «الإخوان» مستغلةً حكماً قضائياً مما يعقد المسألة على السلطات الفرنسية في ملاحقة الجماعة وتسللها داخل المجتمع.
إن المساعي «الإخوانية» لإقامة خلافة أوروبية ضمن محاولات تنظيم جماعة «الإخوان» إيجاد حاضنة مجتمعية في المجتمعات المحلية الفرنسية هي محاولة اختراق دولة من خلال مجتمعها، وهي إحدى طرق الاختراق والتغلغل التي تستخدمها الجماعة بزرع خلاياها وعناصرها للانتشار والتوسع في المجتمعات، خصوصاً التي تعاني من اضطهاد أو تهميش، كما هو حاصل في الضواحي البارسية وغيرها، وهي نقطة ضعف ما لم تدرك سرعة معالجتها السلطات الفرنسية وإدماج المهمشين في المجتمع الفرنسي والتوقف عن النظرة الاستعلائية في التعاطي مع هؤلاء، سيكونون تربةً خصبةً لنمو نبتة جماعة «الإخوان» وتمدد سرطانها في المجتمع الفرنسي.
لقد فشلت الجماعة في قيادة أي مجتمع تسللت إليه، ورغم مشاريع التمكين الضخمة، فإن منهج الإقصاء الذي تنتهجه الجماعة وتعاطيها كجماعة وحزب في أي بلد تمكنت من حكمه بسياسة التمكين، مثل مصر وليبيا وتونس، أفقدها أي حضور شعبي أو مجتمعي سبق أن تمتعت به بالخداع ولبس عباءة المظلومية سنوات طوالاً، فالتجارب المحدودة لجماعة «الإخوان» في السلطة تؤكد أن الولاء لديهم للجماعة فقط، وأنهم لن يستطيعوا تمثيل أمة أو شعب، لأنهم اعتادوا الولاء للجماعة والتنظيم، الأمر الذي أفقدهم الإحساس بالانتماء الجغرافي للوطن ضمن حدود جغرافية محددة، وذلك مرده لكونهم ينتمون لتنظيم وجماعة عابرة للحدود وللقارات.
العالم لم يتوقف إنما تغيّر الداعم والمستخدم بعد أن تراجعت الإدارة الأميركية الجديدة في عهد ترمب الأول خطوات إلى الوراء في علاقتها مع الجماعة، وصلت إلى درجة التلويح بالحظر واعتبار الجماعة منظمةً إرهابيةً، دون التقدم في ملف حظر الجماعة رغم ثقل ملف إدانتها بالإرهاب في أدراج المخابرات الأميركية، الأمر الذي يطرح تساؤلات كثيرة، هل فعلاً هناك إرادة دولية حقيقية للتخلص من هذا التنظيم، أم أنَّ هناك من لا تزال لديه رغبة في وجود التنظيم واستخدامه بندقيةً مستأجرةً.
صحيح أن الإدارة الأميركية لا تزال تتردد في إدراج الجماعة على قائمة الإرهاب، رغم ما قاله رئيس لجنة الأمن القومي السابق، رون ديسانتس، من أن «الإخوان المسلمين هي منظمة مسلحة لها جماعات تتبعها في العالم، وسياسة واشنطن أخفقت في التصدي لنهج العنف لدى تنظيم الإخوان الإرهابي ودعمه لجماعات متشددة».
الجماعة التي أسسها حسن البنا في مصر في مارس (آذار) عام 1928م بتمويل من السفير البريطاني قدره 500 جنيه في حينها باعتراف جون كولمان، وهو ضابط سابق ووكيل المخابرات البريطانية «MI6»، حيث كانت السياسة البريطانية في ذلك الوقت في حاجة لاختراق جماعة القوميين العرب.
العالم تغير وحتى نعرة القوميات والإثنيات انخفضت مما أصبح استخدام جماعة أو تنظيم مثل جماعة «الإخوان» حتى استخباراتياً بندقيةً مستأجرةً ن الماضي، خصوصاً وأن التنظيم ليس دائماً يرغب في أن يكون بندقية مستأجرة، بل سقف طموحات قادته يكمن في دولة «الخلافة» للمرشد مما يعني أنها ستسعى حتى للانقلاب على من احتضنها، أو حتى قدم لها الدعم وصنع لها الأمان، والشواهد كثيرة فقد انقلبت الجماعة على كل من ساعدها وأخرجها من السجون ليجد نفسه أمام عفريت خرج من مصباح يفتك بمن حرره.
فقد سبق للملك الراحل إدريس السنوسي أن أحسن وفادتهم بعد فرارهم من عبد الناصر، عقب ملاحقتهم بسبب حادثة المنشية، ولكنهم تآمروا عليه، وزرعوا نبتتهم البائسة في ليبيا رغم تعهدهم بعدم الدعوة للجماعة طيلة اللجوء في ليبيا، وسبق أن حررهم أنور السادات وانقلبوا عليه وقتلوه، وحررهم القذافي من السجون وقدموا مراجعات سرعان ما نكثوها ونالوا منه.
هذه الجماعة المبتدعة دينياً والمفلسة سياسياً، ولاؤها خارج الجغرافيا والسيادة الوطنية، ولا يمكن الوثوق بها والتعاطي مع هدنتها، أو الاطمئنان لانكسار شوكتها، لأنها سرعان ما تعود وتنقلب متى توفرت لها الظروف الانتهازية، مما يؤكد أن الجماعة فكرها شاذ وتتبنى العنف للوصول إلى السلطة وهذا مما ينبغي أن يتصدَّى له.
الشرق الاوسط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news