وطن مخطوف
قبل 2 دقيقة
كل قيدٍ يُغلّف معصم اليمني هو طعنة في خاصرة الوطن.
كل صرخة أمٍّ تنتظر عودة ابنها من الغياب هي نشيج في قلب كل بيت. وكل جناح محطّم لطائرة معلّقة على رصيف الزمن هو شهادة موتٍ لبلادٍ تُحتضر ببطء.
يكفي أن تتأمل صورة مطار صنعاء المغلق لتدرك أن الحكاية أكبر من أزمة سفر، وأعمق من أزمة طيران.. إنها قصة وطنٍ بأكمله بات أسيرًا، مُعلّقًا بين سماءٍ مغلقة، وأرضٍ مخنوقة، وواقعٍ يُكتب بحبر البارود.
في معجم العبث اليمني، لا تفتّش عن المنطق، فالمنطق دفنوه مع أول قذيفة سقطت على مدينة آمنة، ومع أول طفل شَهِد على دمار بيته دون أن يفهم لماذا.
في قلب هذه المأساة يقف الحوثي، كظلٍ غريبٍ تسلّل من كهوف التاريخ، لا يحمل من الوطن سوى اسمه، ولا من الإنتماء سوى كراهيته.
عصابة الحوثي لا ترى في اليمن إلا غنيمة. لا تعترف بمدنها إلا كمواقع قتال، ولا بشعبها إلا كوقود لحروبها، ولا بتاريخها إلا كخلفية مشوشة لرايةٍ دخيلةٍ تُرفع على أطلال حضارة.
ليسوا أبناء البلد، بل غرباء في وجه، وخصوم في جوهر، وانقلابيون على كل ما هو إنساني، نبيل، أو حي.
أنظر إلى ميناء الحديدة الذي صمت، لا لأنه شبع، بل لأنه جُوّع عمدًا.
أنظر إلى طائرات اليمنية المهترئة، لا تتحرك، لا تطير، لا تنقل مريضًا ولا تُعيد مغتربًا، بل تبكي في صمتٍ مرير كنعوشٍ معلّقة تنتظر دفنها.
أنظر إلى الشعب، يُنكل به، يُجوّع، يُهجر، ويُقصف، فقط لأن ثُلة ترى نفسها أحق بالحكم من الجميع، وتؤمن أن الكرامة لا تُصنع إلا على جثث الآخرين.
في عالم الحوثي، لا مكان للوطن، لا مساحة للحياة، لا قيمة للناس.
لا شيء يعادل قدسية معركتهم المزعومة، حتى وإن احترق البلد كله، وانطفأت قناديله، وتيبست أضلاعه.
هم لا يقاتلون من أجل اليمن، بل يقاتلون ضدّه، ضد هويته، ضد ثقافته، ضد روحه.
تخيل أن يتحوّل اليمن كله إلى صعدة كبيرة، مغلقة، موصدة، تحرسها لجان الموت، ويُدرّس فيها الخوف كمنهج، ويُمنع فيها الحلم بمرسوم.
تخيل أن تتحول الأغاني إلى جريمة، والكتب إلى تهديد، والحب إلى خيانة، والحرية إلى كفر.
هذا ليس خيالًا، بل سيناريو يوشك أن يكتمل إن تُرك عبد الملك حاكمًا لبلادٍ تُذبح بصمت.
حينها، لن يكون اليمن سوى نحيب في ذاكرة الناجين، وسطرًا باهتًا في كتب الجغرافيا، عنوانه:
"هنا كانت بلاد تُدعى اليمن، فاختطفها ليلٌ لم ينجلِ."
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news