في وقت تتكثف فيه التهديدات الحوثية على المستويين الداخلي والإقليمي، جاءت زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي إلى موسكو، لتضع الملف اليمني على طاولة قوة كبرى كروسيا، وسط مساعٍ يمنية واضحة لإعادة التموضع الدولي وكسب شركاء مؤثرين في مجلس الأمن وخارجه.
الزيارة، التي شملت لقاءً رفيع المستوى مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكلمة شاملة ألقاها العليمي في معهد الدراسات الشرقية، تمثل تحركًا سياسيًا مدروسًا يحمل رسائل حاسمة تتعلق بالأمن الإقليمي والدولي، وتعيد رسم الدور اليمني ضمن شبكة التفاعلات الدولية تجاه الأزمات المتداخلة في المنطقة.
دعم روسي سياسي واضح... وخطاب يمني حازم
خلال لقائه بالرئيس فلاديمير بوتين، ثمّن العليمي موقف روسيا الثابت في دعم الشرعية الدستورية اليمنية، ومساندة تطلعات الشعب اليمني نحو الأمن والسلام، مؤكدًا أن العلاقة بين البلدين تستند إلى تقاليد عميقة من الصداقة والاحترام المتبادل.
من جهته، أكّد الرئيس بوتين التزام بلاده بدعم اليمن في مواجهة التحديات، والتطلع إلى تعزيز التعاون الثنائي، لا سيما في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، بما يواكب استحقاقات الاستقرار في المنطقة، ويعكس عمق العلاقة التي تعود إلى عام 1928.
وتزامنت الزيارة مع الذكرى الـ97 لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ما أضفى بُعدًا رمزيًا يعزز من فرص البناء على الشراكة القائمة بين موسكو وصنعاء.
العليمي يفضح مشروع الحوثي: لا دولة، لا مواطنة، لا قانون
وفي خطاب لافت ألقاه خلال جلسة حوارية بمعهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قدّم الرئيس العليمي تشريحًا سياسيًا دقيقًا لطبيعة المشروع الحوثي، محذرًا من "خطره البنيوي على الاستقرار الإقليمي والدولي"، بوصفه "مشروعًا طائفيًا مسلحًا لا يؤمن بمفاهيم الدولة أو القانون".
وأكد أن جماعة الحوثي لا تمثل طرفًا سياسيًا قابلًا للدمج أو الشراكة، بل حركة أيديولوجية دينية متطرفة تؤمن بـ"الحق الإلهي" وترفض مبدأ المواطنة المتساوية. ولفت إلى أن تحالف الجماعة مع تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش" يعيد تشكيل خارطة الإرهاب العالمي، ويضع اليمن والعالم أمام تهديد متنامٍ يتجاوز الجغرافيا المحلية.
وأشار العليمي إلى أن ممارسات الحوثيين في البحر الأحمر من اختطاف سفن وزراعة ألغام وقرصنة، ليست وليدة الحرب في غزة كما يروج البعض، بل تعود إلى سنوات، في مؤشر واضح على أن الجماعة تسعى لتحقيق أجندات عابرة للحدود، تتقاطع مع طموحات إقليمية إيرانية توسعية.
كما انتقد الرئيس العليمي "السرديات الدولية المضللة" التي تبرر وجود الحوثيين تحت شعارات سياسية أو إنسانية، مشددًا على أن التساهل مع هذا الخطاب الدعائي سيُفضي إلى تقوية جماعة تعمل على تقويض الدولة اليمنية، وزعزعة الأمن في الإقليم والعالم.
أبعاد استراتيجية للزيارة: إعادة التموضع في ظل تحولات إقليمية ودولية
تحمل زيارة العليمي إلى موسكو بُعدًا سياسيًا واستراتيجيًا يتجاوز الملفات الثنائية. فهي تأتي في توقيت تشهد فيه المنطقة تصاعد التهديدات في البحر الأحمر، وتعقيد المشهد السياسي بفعل تراجع الأولويات الغربية تجاه اليمن، ما يدفع القيادة اليمنية إلى إعادة تموضع دبلوماسي ذكي عبر بوابة موسكو.
يسعى العليمي، من خلال هذا التحرك، إلى تنويع الشركاء الدوليين وتجاوز الاعتماد الأحادي على الحلفاء الغربيين، وتحشيد دعم سياسي أوسع في مجلس الأمن عبر روسيا، التي تمتلك علاقات متشعبة مع أطراف النزاع الإقليمي، وإعادة تقديم الملف اليمني ضمن إطار التهديدات العابرة للحدود، خصوصًا مع تصاعد الخطر الحوثي في البحر الأحمر وتأثيراته على التجارة الدولية، بالإضافة إلى فضح المشروع الحوثي أمام الرأي العام الدولي، وإسقاط محاولات تسويقه كطرف سياسي قابل للتسوية.
انفتاح محسوب... ورسائل حازمة
تشير زيارة العليمي إلى مرحلة جديدة من الحضور اليمني في السياسة الدولية، قائمة على الانفتاح المدروس، ووضوح الخطاب السياسي تجاه التحديات. فاليمن، الذي ظل لسنوات رهينة لروايات ملتبسة في أروقة السياسة الدولية، يُعيد اليوم صياغة مواقفه بلغة أكثر وضوحًا، وأدوات أكثر تنوعًا.
والرهان الحقيقي، كما يؤكد مراقبون، يكمن في ترجمة نتائج هذه الزيارة إلى سياسات ومواقف دولية أكثر حزمًا تجاه الميليشيا الحوثية، وبناء شراكات استراتيجية تضمن ليس فقط دعم الشرعية، بل الحفاظ على وحدة الدولة، وضمان استقرار المنطقة والممرات الدولية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news