في خطوة تُعيد إحياء تحالفٍ تاريخي يعود إلى مطلع القرن العشرين، يفتح فخامة الرئيس الدكتور رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اليوم الثلاثاء، صفحة جديدة من العلاقات الاستراتيجية بين اليمن وروسيا، خلال زيارة رسمية لموسكو تكتسب زخماً دولياً غير مسبوق.
الزيارة، التي تأتي بدعوة شخصية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليست مجرد لقاء دبلوماسي روتيني، بل محطة فارقة في مسارٍ طويل من الشراكة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، قد تُعيد رسم خريطة الجهود لإنهاء الحرب اليمنية، وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
الزيارة التي وصفها المراقبون بـ"النقلة النوعية"، تأتي في توقيت حرج تتصاعد فيه التوترات الدولية وتنمو فيه الحاجة إلى تفاهمات متعددة الأطراف. وفقًا لمصدر مسؤول في مكتب الرئاسة، سيبحث العليمي وبوتين سبل تجديد الشراكة الثنائية في المجالات السياسية والاقتصادية، مع تركيز خاص على "الملف اليمني" الذي يُعدّ محور اهتمام روسي مستمر منذ عقود.
لا تقتصر الزيارة على المباحثات الرسمية، بل تمتد إلى لقاءات مع صناع القرار في الحكومة الروسية، وشخصيات فكرية وسياسية تُدرك عمق الموروث الثقافي اليمني، مما يُشير إلى رغبة مشتركة في توطيد الجذور الإنسانية للعلاقة بين البلدين.
الشراكة بين البلدين ليست جديدة؛ فمنذ عام 1927، عندما كان اليمن أول دولة عربية تقيم اتصالًا رسميًا مع الاتحاد السوفيتي، مرورًا بتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون في 1928، ثم الاعتراف المتبادل بالوحدة اليمنية في 1990، تشكلت علاقة قوامها المصالح المشتركة.
وحتى بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، أعلنت اليمن اعترافها بروسيا كوريثة شرعية في 1991، مما أكد استمرارية هذه الشراكة.
ومن المحتمل ان يلتقي العليمي بوتين في قاعة "القديس جورج" بالكرملين، حيث جلس قبلهما قادةٌ سوفييت ويمنيون لتوقيع اتفاقيات غيّرت مصير المنطقة. النقاشات-آ وفق مصادر مقرّبة -آ تركّز على ثلاث جبهات في مثدمتها تعزيز الدعم الروسي لمسار السلام عبر ضغطٍ دولي لوقف إمدادات السلاح للحوثيين. وتفعيل اتفاقيات تعاون عسكري قديمة وُقّعت في سبعينيات القرن الماضي بعهد الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف،آ وإحياء ممرّات تجارية تاريخية عبر بحر العرب والبحر الأحمر، كبديلٍ عن الممرّات المهددة بسبب الحرب.
في ظل الأزمة اليمنية المستمرة منذ عقد، تُعد روسيا من الدول القليلة التي دعمت الشرعية اليمنية في المحافل الدولية، بما في ذلك التصويت لصالح القرارات الأممية الرامية إلى إنهاء الانقلاب الحوثيآ
. وترى مصادر دبلوماسية أن زيارة العليمي قد تُسهم في تعزيز جهود الأمم المتحدة لإحياء مفاوضات السلام، خاصةً مع الدور الروسي المتوازن الذي يجمع بين دعم الشرعية وحوار غير مباشر مع الأطراف المعنية بالملف اليمني.
المفارقة أن هذه الزيارة تتزامن مع ذكرى مرور 6 سنوات على رحيل أندريه بريجنيف، حفيد الزعيم السوفيتي، الذي حاول – قبل وفاته المفاجئة عام 2018 – إعادة إحياء دور عائلته في الملف اليمني عبر إطلاق منصة حوار بين الأطراف اليمنية في موسكو.
الزيارة تخفي وراء طقوسها الرسمية لمساتٍ ذكية.
يرى مراقبون ان متحف التاريخ العسكري الروسي، قد يشهد زيارة العليمي حيثآ سيُشعل شمعةً أمام دبابة "T-34" استخدمها الثوار ضد الملكية عام 1962، فيما قد تكشف روسيا مجدداآ آ عن وثيقة سريةآ تعود للعام 1985 تُلزم موسكو بدعم اليمن عسكرياً في حال تعرّضه لغزو خارجي آ وهو ما قد يُستخدم كورقة ضغط دولية اليوم بالاضافة الىآ توقيع اتفاقية رقمنة الأرشيف السوفيتي-اليمني، الذي يضم تفاصيل تحالفاتٍ سرية مع قبائل يمنية ضد الاستعمار البريطاني.
اليوم، يبدو أن بوتين يلتقط الخيط نفسه، مستخدماً ورقةً لم يعد أحد يتوقعها(آ الذاكرة المشتركة) ، ففي جعبة اليمن وثيقة نادرة من أرشيف 1972(آ خطاب شكر من الرئيس اليمني الاسبق إبراهيم الحمدي إلى بريجنيف الجدّ لدعمه إنشاء الكلية العسكرية في صنعاء؛آ بينماآ قد يعرض الجانب الروسي صوراً أرشيفية لسفينة سوفيتية ترسو في ميناء الحديدة عام 1968 محمّلةً بأسلحة ساهمت في انتصار الثورة اليمنية على الملكية.
بينما تستعد موسكو لاستقبال الرئيس العليمي، يرى المراقبون أن هذه الزيارة تُعد أكثر من لقاء دبلوماسي؛ فهي محاولة لإعادة تفعيل شراكة تاريخية في خدمة السلام والاستقرار، وفي الوقت نفسه، اختبار لقدرة البلدين على تحويل الماضي المشترك إلى حلول مستقبلية لتحديات اليوم.
الزيارة قد آ تُقلب الطاولة:
يتساءل محللون عنآ آ اشياء قد تحدث في هذه الزيارةلعل اكثرها اثارةآ هل ستُقدم موسكو على خطوةٍ لم يجرؤ أحدٌ عليها من قبل؟ مصادر مطلعة تُلمّح إلى أن بوتين قد يُعلن خلال الساعات دعمه اعترافاً دولياً بمجلس القيادة الرئاسي كالممثل الشرعي الوحيد لليمن، في صفعةٍ إلى تحالفات إقليمية عربية.
السيناريو الأكثر تشويقاً: أن تكون هذه الزيارة مجرد الجزء الظاهر من جبل جليدٍ تاريخي.. فمنذ 1928، لم تكفّ اليمن وروسيا عن كتابة حكاية تحالفٍ لا يعترف بانكسار!
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news