السياسة والقيَم

     
البلاد الآن             عدد المشاهدات : 21 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
السياسة والقيَم

بقلم د . محمد بن موسى العامري

مقدمة .

السياسية في مفهومها الإيجابي مبنية على القيم السامية ، والمعاني الرشيدة خلاصتها { حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية .” ابن خلدون ”

فهي بهذا تعني السعي لتحقيق المصالح العامة والغايات النبيلة ، من ناحية أهدافها ، والتزامها على الوجه المشروع جزء لايتجزاء من الإسلام ، من حيث أدواتها ووسائلها ، وقد تولاها خيرة الخلق من الأنبياء وعلى رأسهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وفي سيرته العملية ،ما يبرهن على ذلك ، من التدابير السياسية ابتداء من مرحلة الاستضعاف بمكة وانتهاء بمرحلة التمكين وتأسيس الدولة في المدينة ، وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام :- { كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِيَاءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، } وعلى طريق الأنبياء خير الناس بعدهم وأفضلهم منزلة ، الخلفاء الراشدون أبوبكر وعمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم ، وجميعهم تولى الخلافة ورعاية شئون الناس وسياستهم بما يصلحهم ديناً ودنيا ، ولم تزل ملوك المسلمين وحكامهم عبر القرون يمارسون السياسة مع التزام مالابد منه من القيم جيلاً بعد جيل ، فيحمد محسنهم ويذم مسيئهم .

وأما السياسة ، في معانيها السلبية ، فهي المتجردة من منظومة القيم والمبادئ في غاياتها ، ومن جهة أدواتها ووسائلها ذات صلة بالمساوئ الأخلاقية ،والذرائع النفعية والإنتهازية للوصول إلى غاياتٍ غير محمودة ، طائفية ، أو قبلية أومناطقية أو غير ذلك مما لاصلة له بالمصالح العليا ، على نحو ما تقوم به في اليمن مليشا الحوثي الإرهابية منذ تمردها وتعطيلها لمؤسسات الدولة ، واستعاضتها عن ذلك ، بسياسة شيطانية ، وفق مضامين طائفية ومذهبية – منافية لقيم الإسلام الحنيف ، كالتقية ، والكذب ، والإعلام المضلل ، وتسخير ذبابها الإلكتروني بتلفيق التهم للمخالفين ، والتلون النفاقي ،واختراع أنواع الحيل ، للتعدي على حقوق الشعب اليمني ، ونشر الأباطيل ، وتفخيخ عقول الأجيال بالبدع والضلالات ، والتزوير باستدعاء الأحقاد والضغائن التاريخية ، وغير ذلك من المعاني التي تنذر بكوارث محققة ، تستوجب القيام والإصطفاف الوطني لتدارك حماية المنظومة القيمية الحميدة ، والسجايا اليمنية ، الأصيلة :-

وإنما الأمم الأخلاق مابقيت

فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ولأهمية العلاقة بين السياسة والقيم وضرورة الترابط الوثيق بين المسارين

يظل تسليط الضوء قائماً من الناحية الواقعية حول انخفاض منسوب القيم- في السلوك اليمني المعاصر – وهي حقيقة تتنامى لا يمكن إنكارها ، ونحتاج إلى التوقف عند أبرز منابعها باعتبارها سلوكيات ذميمة ، يمكن الإنعتاق منها ، وتفادي سلبياتها ، والتقليل من آثارها متى وجدت العزيمة والإرادة الجمعية الصادقة ومن بينها :-

1 – قيمة المصداقية .

إنّ فقدان قيمة المصداقية وفشو ظاهرة الكذب في عموم المعاملات والسلوكيات، يعد من أرذل الأخلاق ، يستوي في ذلك البيع والشراء وسائر العلاقات الاجتماعية بمختلف أنواعها ، أو الممارسات السياسية ، في جميع محطاتها .

وبالنظر إلى جملة من الظواهر المتعلقة بمساوئ الأخلاق ، واختلال القيم في العمل السياسي ، فإن الكذب يأتي من حيث قبحه في رأس قائمتها ، وله بريقه وإغراؤه في العمل السياسي لتحقيق مكاسب آنية وعاجلة – في ظن صاحبه – مع غفلته الشديدة ، عن عواقب أحواله ، وآثاره الكارثية ، مهما خُيّل فيه من طوق النجاة ، ولا أدل على ذلك من كثرة النصوص كتاباً وسنة في الإشادة بالصدق والصادقين ، وتوبيخ الكذب والكاذبين ، مع إجراء مقارنة بين مسارين في العمل السياسي اليمني المعاصر :-

الأول :- لدينا نماذج عديدة لمن عرف عنهم الإخلال بقيمة الصدق وسلوك الأكاذيب والمراوغات والخداع وأنواع الحيل المذمومة ، وقدموا مصالحهم الخاصة بهم ، على مصالح الشعب العامة ، فالذم ، والمقت ، يلحقهم أحياءً وأمواتاً ، لما أحيوا من السنن السيئة وما حُمّلوا من أوزارهم وأوزار المتأثرين بهم والسائرين على دربهم ، وكفى بهذا عظة وعبرة لعواقب السياسات المتجردة من القيم المحمودة .

الثاني :- ولدينا نماذج أيضاً عديدة لمن تحلّوا بقيمة الصدق وتجنبوا ألاعيب السياسات ، وخداعها ، وقدموا رعاية المصالح العامة على مصالحهم الخاصة فاكتسبوا بذلك تقديراً خاصاً في ذاكرة الشعب اليمني ، وهم جمهرة كثيرة من الشخصيات النزيهة ، من مختلف التوجهات الوطنية ، وتركوا بذلك مآثر حسنة ولسان صدق ، وفي ذلك برهان ساطع على أنّ سياسة الأكاذيب والمراوغات ، لغرض الوصول إلى مكاسب غير شرعية ، ليست من لوازم العمل السياسي ولاهي ضربة لازب يتحتم انتهاجها لنيل المقاصد بهذه الطرق العقيمة .

ثانياً :- قيمة الأمانة .

إنّ فقدان قيمة الأمانة في العمل السياسي ، وانتهاج سياسة الغش من قبيح مساوئ الأخلاق ،والغش ليس محصورا في المعاملات التجارية – كما يتبادر إلى الأذهان – بل هو مفهوم شامل ، ذو دلالات واسعة ، من أشنعها الغش السياسي أو غش الراعي للرعية – وفي البخاري ومسلم من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة } وفي رواية لمسلم { ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة } وللغش السياسي صور كثيرة ، من بينها تضييع أمانة ما أوجب الله من رعاية شئون دين الرعية ودنياهم ، وحفظ شريعة الله فيهم ، ومنها العبث بمصالح الناس العامة ، وتسليط السفهاء عليها والتفريط في حقوقهم ، وتولية وإسناد الولايات لغير أهلها ، وتغييب الكفاءات ، وفشو المحاباة في الوظيفة العامة ، وترك طفيليات الفساد تنمو ، دون حساب أوعقاب ، وغير ذلك من السبل الخاطئة ، التي أملتها تقديرات وحسابات خاطئة ، أو رغبات شخصية ، أو حزبية ، أو قبلية ، أو مناطقية، وليس بلازمة عند ذوي الأمانة والنزاهة والوطنية ، لأن تكون السلوكيات المعوجة ، من ضروريات العمل السياسي ، وتبعاته .

ثالثاً – قيمة العدل .

غياب قيمة العدل وانتهاج الفجور في الخصومات السياسية سلوك عدواني ، يقوم على تحطيم ركائز العدل مع المخالف ، وعدم الإعتراف بالفضل لأهله ، والتنقيب عن سيئات المخالفين ودفن حسناتهم إعراضاً عن التمسك بالقيم الدينية والأخلاقية ،وتشبثاً بالتحزبات الذميمة ، وضغائن النفوس ، لتوليد مفردات فقدان الثقة بين رفقاء الدرب والنضال وزراعة البغضاء وتقطيع الأواصر ، وتضييع الحقوق العامة التي حقها البقاء مهما كانت النزاعات والخلافات السياسية القائمة على تعدد وجهات النظر المصلحية -عدا – أنّ الفجور في الخصومات السياسية مدعاة للمظالم وتلفيق التهم ،للمخالفين وكتابة التقارير الكيدية والوشاية بهم وامتهان الدسائس وأنواع المكايدات لهضم حقوقهم ، وبخس الناس أشياءهم ،لدوافع العصبية مقيتة ، ومن ثم تغييب معاني الفضل والتسامح وسلامة الصدور والتغاضي عن الزلات والصفح الجميل والعفو وكظم الغيظ والإحسان وغيرها من المعاني السَنيّة ، التي أوشكت أو كادت أن تعلن الفراق في أسواق وميادين العمل السياسي ، وقد يعد بعض المتحذلقين الحديث عن القيم والمعاني الأخلاقية في العمل السياسي ضرباً من السذاجة وسلوك حسن النية البلهاء ، وتسطيح الأمور ، لقناعتهم التي أشربوها وترعرعوا عليها بأن العمل السياسي يجب أن يبقى حلبة صراعات لإنتاج الخصومات والمشاحنات ، التي لانهاية لها ، وليس للبناء وإقامة الشراكات العادلة ، ومد الجسور ، وتشابك الأيدي والتعاون على نهضة الأوطان وحريتها ، وتخليصها من أسرها وانتشالها من المستنقعات التي غرقت في أوحالها .

الخلاصة :-

وخلاصة القول وزبدته أنّ مجال العمل السياسي وإن كانت بيئته موبوءة بمثالب عديدة من أخطرها فقدان أوضعف منظومة القيم إلا أنّ ذلك ليس أمراً لازما لقبول السلوكيات المذمومة وتركها تتمدد دون السعي والعمل لإصلاحها وتقويمها ، – ولو بصورة تدريجية – وأنّ المكاسب السياسة ، المجنية ، أو المتوهمة بواسطة مسالك السوء – وإن بدا إغراؤها – أقل بكثير من المكاسب السياسية بالمسالك السوية المتوخاة من التزام القيم ومحاسن الاخلاق التي يتحتم ملازمتها في العمل السياسي وبقية مناشط الحياة .

وهنا ملحظان يتعين التأكيد عليهما :-

الأول :- التفريق بين مساوئ الأخلاق ، وتفويت القيم في استعمال السياسات وبين المرونة في العمل السياسي التي لا غنى عنها باستعمال المأذون فيه شرعاً وعرفاً على وجه التخصيص والاستثناء فذلك سلوك مشروع ، بضوابطه وشروطه ومن بينها الموازنات ، في العملية السياسية ،كارتكاب مفسدة صغرى لدفع كبرى ، أو تفويت مصلحة صغرى لتحصيل مصلحة أكبر منها ، وقد يظنها البعيدون عن ميادين السياسة العملية ، تنازلاتٍ ، أو تضحيات بالمبادئ أو سكوتاً مذموماً ، أو غير ذلك من المعاني السلبية، والصمت عن أمور قد يكون من السياسة والكياسة { فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ } وفي المعاريض والتوريات مندوحة عن الأكاذيب ، والأمور بمقاصدها ، وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب ، وأبواب التغاضي ، والتغافل ، ومثلها المجاملات مشروعة – وليس المداهنات – ومن ذلك ، ما في الصحيحين { أنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ علَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُ قالَ: بئْسَ أخُو العَشِيرَةِ، وبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في وجْهِهِ وانْبَسَطَ إلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قالَتْ له عَائِشَةُ: يا رَسولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ له كَذَا وكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ في وجْهِهِ وانْبَسَطْتَ إلَيْهِ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا عَائِشَةُ، مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ.

الثاني :- بقاء الأصل ، والمحافظة على القيم كما هي وما ندّ عن ذلك من الحالات الاستثنائية ، فلها حكمها ، ولا يجوز تحويلها إلى قواعد عامة في السلوك السياسي ، فالتوريات والمعاريض ونحوها تظل حالات نادرة للحاجة أو الضرورة والمصلحة المعتبرة ، وبعض العاملين في العمل السياسي – وبخاصة من ذوي التوجهات الإسلامية – قد يجعلون من الاستثنائات قواعد عامة وفي جانب التقديرات المصلحية لايدققون أويخضعونها للمعايير العلمية والموازين الشرعية ، والسياسية الرشيدة ويكتفون بتقديرها من تلقاء أنفسهم ، أو مصالحهم الحزبية الخاصة ، على غير علم وبصيرة فتؤول المصالح المزعومة ، وفقاً لهذا القصور إلى أدوات للعبث والتشهي ، واتباعاً للأهواء والرغبات ويصبح تتبع الرخص مسارات عامة ، مع أنها شرعت في الأصل تخفيفاً ورفعاً للحرج عند توفر دواعيها وأسبابها .

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لايهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت

تعليقات الفيس بوك


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الكشف عن حالة انشقاقات كبيرة بالضالع وهذا ما حدث

جهينة يمن | 343 قراءة 

تقدم كبير في مفاوضات مسقط بشأن النزاع باليمن وسط ترحيب واسع

قناة المهرية | 319 قراءة 

الكشف عن حقيقة ظهور جنود جنوبيين في مشهد عناق أثار الجدل أثناء فتح الضالع - صنعاء

نافذة اليمن | 261 قراءة 

الكشف عن شركة طيران حو ثية تلوح في الأفق

جهينة يمن | 204 قراءة 

انفجارات غامضة تضرب مخازن أسلحة حوثية وتكشف عن اختراق أمني داخلي عميق

يني يمن | 201 قراءة 

أمطار غزيرة وبرد يضربان شارعاً حيوياً في صنعاء.. والمواطنون يروون ما حدث

عدن نيوز | 198 قراءة 

اليمنية تفاجئ الجميع وتوجه هذه الصفعة لحميد الأحمر"بيان"

جهينة يمن | 193 قراءة 

العليمي يحدد شروط السلام مع الحوثيين ويكشف موانع حصول اليمن على دفاعات جوية روسية

قناة المهرية | 187 قراءة 

تفاصيل الهجوم المباغت الذي تعرضت له الضالع

كريتر سكاي | 168 قراءة 

اندلاع معركة في الضالع

كريتر سكاي | 166 قراءة