شهدت محافظة حضرموت- مؤخرًا- تصاعدًا حادا في التوتر السياسي وسط صراع ثلاثي متمثل بالحكومة الشرعية المتمسكة بالوحدة، والمجلس الانتقالي الجنوبي الساعي إلى الانفصال، و"حلف قبائل حضرموت" المطالب "بالحكم الذاتي" والمدعوم بقوى قبلية وتشكيلات محلية مسلحة.
وتعود جذور هذا التنافس إلى عام 2013 عندما تم تأسيس "حلف قبائل حضرموت" كإطار شعبي وقبلي يسعى إلى نيل الحقوق وتحقيق شراكة عادلة في السلطة والثروة.
تنافس محموم بين هذه القوى المتعددة التي تحاول كل منها فرض نفوذها على المحافظة ذات الأهمية الاستراتيجية والتي تمثل 36% من مساحة البلاد، وتضم موانئ رئيسية كميناءي المكلا والشحر، إضافة إلى ميناء الضبة النفطي، كما تنتج نحو 80% من نفط اليمن، فضلا عن امتلاكها أكبر احتياطي نفطي.
وفي مارس/آذار المنصرم، وخلال زيارته للمكلا، مركز المحافظة، اتهم رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي" حلف قبائل حضرموت" بالعمالة، الأمر الذي أثار موجة غضب داخل المكونات القبلية في المحافظة، تلتها ردود أفعال غير مسبوقة.
وفي منتصف أبريل الماضي وردّا على تصريحات الانتقالي، خرج " حلف قبائل حضرموت" عن دائرة المطالبة بالقضايا ذات الطابع الحقوقي إلى تنظيم تجمعات جماهيرية في مناطق نفوذه شرقي المحافظة، رفعت شعارات تطالب بالحكم الذاتي، وبإدارة مستقلة خارج سلطة المجلس الانتقالي والحكومة المركزية.
وفي 24 أبريل الماضي، وفي تحرك مضاد أقام المجلس الانتقالي فعالية حاشدة في مدينة المكلا، بمناسبة الذكرى التاسعة لتحرير ساحل حضرموت من قبضة تنظيم القاعدة، حشد لها الآلاف ليظهر أنه يمتلك حاضنة شعبية كبيرة في هذه المحافظة.
من جانبه حلف قبائل حضرموت، اتهم قيادات في الانتقالي بتسهيل دخول أكثر من 2500 مسلح من خارج المحافظة إلى مدن الساحل، خصوصًا المكلا، في خطوة عدها الحلف محاولة لفرض واقع عسكري جديد.
وبحسب محللين فإن هذا الصراع المدعوم من التحالف السعودي الإماراتي يهدد بتمزيق خطير للمحافظة وإشعال نار تلتهم ما تبقى من معالم الوحدة اليمنية.
السيطرة على حضرموت ونهب مواردها
بهذا الشأن يقول المحلل السياسي أحمد هزاع" محافظة حضرموت لها أهمية كبيرة ولها ما يميزها لتتهافت عليها القوى من أجل السيطرة عليها، فهي محافظة نفطية من الدرجة الأولى، وتمتلك مساحة كبيرة وموقعًا استراتيجيًا مهمًا".
وأضاف هزاع لـ" المهريةنت" اليوم نجد أن الشرعية تسيطر على الوادي، والانتقالي تسيطر على الساحل والموانئ، وحلف قبائل حضرموت لديه نفوذ في الساحل والوادي، والمؤسف أن هذه المماحكات السياسية التي تحدث تنعكس بشكل سلبي على حياة المواطنين في المحافظة".
وأردف" التحالف السعودي الإماراتي يتحمل المسؤولية في هذا الصراع القائم داخل حضرموت فالإمارات تمول المجلس الانتقالي في سبيل الحصول على مآرب لها من خلاله، والسعودية تركت الحكومة الشرعية وكانت تستطيع أن تدعمها لتكون البديل الحقيقي للانتقالي، الأمر الذي أظهر طرفا ثالثًا وهو حلف القبائل".
وأشار إلى أن" مطالب حلف قبائل حضرموت كانت تتعلق بتحسين الخدمات في المجالات الصحية والتربوية والتعليمية، والطاقة الكهربائية، وفي شتى المجالات، لكن المجلس الرئاسي لم يستجب لهذه المطالب ما دفع الحلف إلى المطالبة بالحكم الذاتي".
وتابع" التصعيد في حضرموت والتوتر السياسي مستمر خاصة بعد زيارة عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي والذي هدد المجلس المحلي بأنه سيعمل على فرض أمر واقع جديد ما جعل حلف قبائل حضرموت يخرج ببيان جديد مطالبا بالحكم الذاتي".
ولفت إلى أنه" رغم كل ما يحدث ما تزال حضرموت تعيش في ظل قليل من الاستقرار والتعايش السلمي داخل المحافظة وعدم رفض المجتمع الآخر المتمثل بالشماليين كما يفعل الانتقالي، ما تزال حضرموت تحتضن الجميع وتعد ملاذا للكثير من أبناء الجنوب والشمال".
وأشار إلى أن" هذا الصراع قد يؤدي إلى تشظي المحافظة بسبب مساحتها الكبيرة، وبسبب التمويل الخارجي والفاعلين السياسيين، وهذا ما ينبئ بكارثة كبيرة على هذه المحافظة النفطية التي تصدر ما يقارب 80% من نفط اليمن".
وأكد" إذا لم تتم السرعة في إخراج حضرموت من هذه الأزمة فستلحق بالمحافظات التي يسيطر عليها الانتقالي والتي تشهد فوضى أمنية وعدم استقرار أو قبول للحكومة اليمنية ومجلس النواب وعدم استقبال أي وزير للدولة".
وواصل" اليوم حضرموت في مرمى تصعيد خطير بين صراع ثلاثي سيؤثر على وحدة اليمن، وعلى استقرار حضرموت، وقد تكون هذه القشة التي قسمت ظهر البعير".
من الشراكة إلى الاستعمار
في السياق ذاته يقول الأكاديمي والناشط السياسي، توفيق الجيلاني إن " حضرموت كغيرها من محافظات اليمن تناضل من أجل ألا تطالها يد الإهمال والتهميش والإقصاء وتطالب بما يوازي حجمها ومواردها، وبتحسين الأوضاع الخدمية والمعيشية وهي في ذلك محقة شأنها شأن غيرها من المحافظات؛ فمن حق الناس في جميع محافظات اليمن أن يطالبوا بحضور الدولة وتحسين الخدمات وتطبيع الأوضاع المعيشية".
وأضاف الجيلاني لـ" المهرية نت" الذين يصطادون في الماء العكر وينتهزون الفرص لتمرير أطماعهم يحلو لهم أن يلعبوا على هذه الأوتار الموجودة في اليمن- في ضل هذا الواقع الذي أوجده التحالف السعودي الإماراتي- من أجل أن تكون حضرموت ساحة لصراع الأجندات والمشاريع الذاتية الأنانية، فهناك من ينادي بحضرموت لها ولنفسها، حضرموت الدولة والكيان المستقل".
وتابع" هناك من ينادي بحضرموت الجنوبية الواقعة في الإطار الجغرافي الذي كان موجودا ضمن الدولة الشطرية في ما قبل 1990م
وبين من ينادي بأن تكون ضمن اليمن الكبير كضلع من أضلاعه وجزء من كيانه وركن من أركانه على اعتبار أنها ضمن أحد أقاليم اليمن الكبير".
ولفت إلى أن" هذا الصراع المحتدم تغذيه دول إقليمية لها أجندات ومطامع في حضرموت، وبالتالي تحرك أدواتها كي تبقى حضرموت ساحة صراعات ومكان للفوضى فتزيد الأمور تعقيدا والأوضاع سوءًا".
وأردف " لو تحدثنا عن بروز أجندات متصارعة في حضرموت علينا أن نعلم أن تلك الأجندات لم تبرز فجأة بل هناك من يغذيها ويدعمها في الإقليم الطامع وبالتالي فتلك الأجندات لن تأتي بالخير لحضرموت بقدر ما ستسعى لتحقيق مصالح السعودية الإمارات بالدرجة الأولى".
وبيَّن أن " السعودية لن تأتي بالخير والرخاء والاستقرار لحضرموت، السعودية هي الفاعل الأساسي في المشهد المأساوي الذي يجري في اليمن بكل تفاصيله، كل مايجري في اليمن سببه السعودية بالدرجة الأولى، هي التي أتت بالحوثي والإمارات كي تستطيع تمرير أجنداتها من خلال لعبة تبادل الأدوار والمصالح، وهي التي دمرت الشرعية وفرقتها في إطار مجلس المحاصصة وجميع التعينات والتغيرات للمسؤلين الفاسدين".
وواصل" التحالف السعودي الإماراتي لن يكون سلوكه مع حضرموت أفضل من سلوكه مع اليمن وسوف يديرها بالأزمات كما أدار اليمن وتلك هي اللعبة التي تجيدها الرياض من أجل تمرير مصالحها وأطماعها في كل مكان ".
وأشار إلى أن"سياسات الإمارات معروفة في اليمن والمنطقة برمتها، ولا يخفى عن أهلنا في حضرموت كيف أدارت مليشيا الإمارات محافظات عديدة في الجنوب وكيف تحولت عدن في عهدهم إلى قرية والمجلس الانتقالي في النهاية هو إحدى أدواتها للسطو على مقدرات وخيرات حضرموت والمناطق التي تسيطر عليها".
وزاد" ما يحدث في حضرموت عبارة عن دوامة يراد بها إشغال الناس عن المطالبة برحيل التحالف وتحسين الأوضاع المعيشية، إذ يريدون إشغال حضرموت بنفسها كي لا ترى عيوب تلك الدول الاستعمارية التي طفت على السطح".
وشدد" على المواطن في حضرموت أن يستقرئ مسار التحالف العربي في إداراته للشؤون في اليمن منذ أن أتى إلى اليوم
وسيجد كيف أن التحالف انتقل بنا من الشراكة الى الاستعمار ومن الاحترام الى التهميش والإهمال".
ووضح" التحالف كان يتعاطي مع اليمن بإيجابية يوم كانت اليمن حرة بيد أهلها الأحرار، وأصبح ينظر اليها بعين الازدراء والاحتقار والتهميش والإهمال بعد أن قام بتجريف الشرفاء والأحرار من المشهد وإحلال الفاسدين والتابعين لأجنداته".
واختتم" حضرموت حرة طالما بقيت بعيدة عن أجندات التحالف العربي ولم تخضع له ولا لأدواته؛ لكنها إن فعلت فلتنتظر دورها؛ لأنه سينالها مانال غيرها بعد أن تتمكن أدوات الاحتلال منها؛ ولذا يجب أن تضل في كيان اليمن الكبير في العسر واليسر حتى يأتيها الفرج العاجل ويأتي غيرها من المحافظات وحتى تنهض البلد وتتخلص من التبعية والصراعات الأنانية".
غياب المجلس الرئاسي
بدوره يقول الصحفي والناشط السياسي وليد الجبزي " مايحدث اليوم في حضرموت من صراع سياسي كان سببه تجاهل المجلس الرئاسي- كعادته- لمطالب الشعب، فحلفُ قبائل حضرموت تم تشكيله من أجل الحصول على المطالب والحقوق المشروعة لأبناء حضرموت، لكن تلك المطالب لم تقابل إلا بالتجاهل والخذلان من قبل مجلس القيادة الرئاسي".
وأضاف الجبزي لـ" المهرية نت" المجلس الانتقالي معروف عنه أنه دائما ما يصطاد في الماء العكر، ولهذا استغل الوضع وذهب إلى حضرموت يفرد عضلاته متباهيًا بأنه يمتلك حاضنة شعبية كبيرة وهي في الحقيقة مشتراة بالمال الإماراتي".
وأشار إلى أن" رد الفعل من قبل" حلف قبائل حضرموت" ومطالبته بالحكم الذاتي كان منطقيًا إلى درجة كبيرة، فالحلف رأى نفسه بين قوة متجاهلة له وقوة أخرى تريد طمسه والصعود عليه والسيطرة على محافظة هي الأكبر والأكثر ثروة في اليمن".
وتابع" الصراع القائم في حضرموت اليوم قد يؤثر سلبًا على المحافظة وأبنائها والمقبلين عليها سواء من أبناء الشمال أو من أبناء المحافظات الجنوبية الأخرى، فقد تتحول المحافظة إلى ساحة للقتل والاغتيالات والاختفاء القسري كما حصل في عدن وغيرها من المحافظات التي يسيطر عليها الانتقالي المدعوم إماراتيًا".
وواصل" اليوم أمام المجلس الرئاسي فرصة كبيرة في إثبات قدرة الدولة والحكومة في هذه المحافظة، وذلك بإنقاذها من الانخراط بصراع أكثر دموية، فقط يقوم بتحقيق مطالب الشعب الحضرمي بتوفير الخدمات الأساسية وكسب" حلف قبائل حضرموت" إلى صف الشرعية وبالتالي سيكون الانتقالي الحلقة الأكثر ضعفًا في المحافظة وسيتم محاصرته قبل أن يعيث فيها الفساد".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news