كيف جرى إنتاج وحدة 22 مايو 1990؟

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 45 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
كيف جرى إنتاج وحدة 22 مايو 1990؟

منذ ما بعد أحداث أغسطس 1968 هيمنت على السلطة في الجمهورية العربية اليمنية ذهنية حاكمة لها سمات جوهرية يمكن تكثيفها فيما يلي:

1. الدولة مصدر الثروة والسلطة، وليس أداة توزيعهما. وهذا يفسر الإفراط في المركزية الجهوية (مركزية الهضبة الشمالية).

2. ثنائية (القبيلة / العسكر) هي مصدر الشرعية، وليس المؤسسات الدستورية. وهذا يفسر لماذا أصبح النظام السياسي يستمد تماسكه الداخلي من الولاءات الأولية في القبيلة وفي الجيش الذي يكاد أن يكون مغلقا عليها، وليس من عقد اجتماعي متوافق عليه، كما يفسر تهميش المنظومة القانونية والمأسسة.

3. نزعة إدماجية قسرية تجاه المجتمع، تجاهلت التعدد الثقافي والمذهبي والجهوي الذي يميز البلاد.

4. تهميش المجتمعات المحلية عبر تحكم المركز بكل مفاصل الإدارة والموارد والأمن والتمثيل السياسي.

وفي ظل هذه الذهنية، لم يكن النظام السياسي في الشمال يقبل بالذهاب إلى الوحدة مع الجنوب إلا في ظل معادلة “شمال قوي / جنوب ضعيف”، ليضمن بالتالي بناء دولة الوحدة وفق معادلة “شمال مهيمن / جنوب تابع”، مع ملاحظة أن المقصود بكلمة “شمال” هنا هو النظام السياسي وليس الشعب.

وأنا لم أخترع هاتين المعادلتين من عندي، وإنما استدليت على الأولى من ملاحظة الحالات التي كان فيها النافذون في صنعاء يتشدد كثيرا في الحماس للوحدة، والحالات التي كانوا فيها يتهربون منها. واستدليت على الثانية من نتائج وآثار حرب 1994 في الجنوب.

أولاً: حالات الحماس الشديد للوحدة (شمال قوي / جنوب ضعيف).

1. في 30 نوفمبر 1967 أعلنت الجبهة القومية استقلال الجنوب وقيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية. لكن القوى التقليدية في الشمال، اعتبرت إعلان الاستقلال باطلا، ورفضت الاعتراف بالدولة الوليدة، مطالبة قحطان الشعبي أن يقرأ بيان الاستقلال من صنعاء وليس من عدن، وأن يتضمن البيان إعلان أن الجنوب جزء لا يتجزأ من أراضي الجمهورية العربية اليمنية، وليس دولة مستقلة. لكن رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبد الرحمن الإرياني رأى أن يتم الاعتراف بالدولة الوليدة، وحجته أن صنعاء محاصرة من كل الجهات، وأن سقوطها بيد الملكيين المدعومين سعوديا أمر وارد، وإذا حصل ذلك-لا سمح الله-فإن الحرب ضد الملكيين يجب أن تتواصل انطلاقا من أراضي الجنوب، وبالتالي ليس من الحكمة استفزاز قيادة الدولة الوليدة في عدن. وقد كان ما أراده الإرياني.

2. عام 1972 شن النظام في الشمال حربا ضد الجنوب، تحت شعار الوحدة، معتقدا أنه قادر على اجتياح الجنوب وضمه. غير أن القوات الشمالية دحرت بقوة في الضالع ومعها أرتال من القبائل المساندة.

3. وسط غبار أحداث يناير 1986 في عدن، طلب الرئيس علي عبد الله صالح من الرئيس علي ناصر محمد، إعلان الوحدة فورا، حتى يتمكن جيش الشمال من التدخل بغطاء شرعي، لا أحد يستطيع الاعتراض عليه، بما في ذلك الاتحاد السوفييتي. لكن علي ناصر لم يجارِ هذه الرغبة. والجانب المعلوماتي في هذا الكلام لم أخترعه من عندي وإنما قرأته في مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر. وللقارئ اللبيب أن يلاحظ حجم الخفة في التعامل مع القضايا الوطنية الكبرى.

4. لجأ الطرف المهزوم في أحداث يناير 1986 إلى الشمال، بقوامه العسكري الذي بلغ أكثر من عشرة الاف جندي وضابط، وهنا جرت موضعتهم في معسكرات قتالية تحسبا لحرب قادمة مع الجنوب. وفي 30 نوفمبر 1989، ذهب الرئيس علي عبد الله صالح إلى عدن للمشاركة في احتفالات عيد الاستقلال، حاملا معه مقترحا بوحدة فيدرالية، مرجحا أن المقترح سيقابل بالرفض لتكون الحرب مبررة ومضمونة النتائج عسكريا وشعبيا. وعلى العكس من توقعات علي صالح، تجاوز علي سالم البيض مقترح الفيدرالية بخطوات أسفرت عن إعلان وحدة 22 مايو 1990.

ثانيا: حالات عدم الرغبة بالوحدة (جنوب قوي / شمال ضعيف).

1. في أكتوبر 1977 قتل الرئيس إبراهيم الحمدي قبل ساعات من موعد سفره إلى عدن لتوقيع اتفاق وحدة بين شطري اليمن. والاعتقاد السائد إلى اليوم أن تلك اللحظة كانت ذهبية لتحقيق وحدة متوازنة. لكن القوى التي ذبحت الحمدي-وإليها ينتمي علي عبد الله صالح-لم تكن حينها مع الوحدة.

2. عام 1979 جاء علي عبد الله صالح إلى السلطة ببرنامج من كلمتين: “الانتقام للغشمي”، وكان غرضه من هذا البرنامج أن يثبت للرياض أنه-في العلاقة مع الجنوب-لا يمكن أن يكون “إبراهيم حمدي آخر”، وبينما كان هو يقرع طبول الحرب، تمكن الجيش الجنوبي من التوغل بسرعة قياسية داخل أراضي الشمال على طول الشريط الحدودي من جهات إب والبيضاء ومأرب، وكان قادرا على الوصول إلى صنعاء خلال ساعات. لكن قوى إقليمية تدخلت بقوة لمنع سقوط النظام في الشمال (السعودية، مصر، العراق، سوريا)، وعاد الجيش الجنوبي من حيث أتى. وأعقب ذلك عقد قمة يمنية في الكويت اقترح خلالها الرئيس عبد الفتاح إسماعيل على الرئيس علي عبد الله صالح تحقيق الوحدة بشروط مغرية للشمال، لكن هذا الأخير رفض المقترح. وبعد حرب 1994، وتحت تأثير نشوة الانتصار على الجنوب، أقر صالح أنه لم يرفض مقترح عبد الفتاح كراهة للوحدة وإنما لأن معادلة القوة كانت حينها لصالح الجنوب، وهذا الإقرار جاء في مقابلة أجراها معه الكاتب اللبناني رياض نجيب الريس ضَمَّنها في كتابه “رياح الجنوب” المنشور عام 1999.

اتفاق 30 نوفمبر 1989 (لحظة مفصلية):

في العام 1989 كان الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية قد قطعا شوطا كبيرا باتجاه إنهاء الحرب الباردة، وكان على الثنائيات التي تتغذى من تلك الحرب (الألمانيتان، الكوريتان، اليمنان) أن تهيئ نفسها للتعاطي مع نظام دولي جديد. وفي ذلك العام كانت فكرة غزو العراق للكويت قد تبلورت في رأس صدام حسين. وفي الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر من العام نفسه التقى صدام بعلي عبد الله صالح على هامش قمة مجلس التعاون العربي التي انعقدت حينها في صنعاء.

لا أحد يعرف ماذا دار بين الصديقين، صدام وصالح، لكن تبين فيما بعد أنه ليس في صالح هذا الأخير أن يغزو صديقُه صدام الكويت قبل أن تختفي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من الخارطة السياسية للعالم.

         وفي نوفمبر 1989، كان الرئيس علي عبد الله صالح قد استكمل تعبئة واستنهاض الجماهير من أجل الوحدة. وفي الثلاثين من ذلك الشهر ذهب إلى عدن يريد وحدة على أساس فيدرالي تختفي معه الشخصية الدولية لدولة الجنوب. كان صالح حينها يعتقد أن قيادة الحزب والدولة في الجنوب سترده على أعقابه، وأن الحرب بين شطري اليمن لا محالة قائمة بالتزامن مع غزو العراق للكويت لتتحول شبه جزيرة العرب كلها إلى نار، ويتحول سماؤها كله إلى دخان ولهب.

والذي حدث أن علي سالم البيض، اعتبر حماس علي عبد الله صالح للوحدة، لحظة تاريخية يجب الإمساك بها وعدم تركها تضيع، خاصة وأن التنقيبات عن النفط في الجنوب كانت قد أظهرت توفره بكميات تجارية كبيرة قياسا مع الشمال. ووفقا لقراءة البيض أنه إذا لم تتحقق الوحدة في تلك اللحظة فإن تدفق النفط سوف يؤخر تحقيقها إلى أجل غير مسمى. لذلك قابل البيض خيار الفيدرالية الذي جاء به علي صالح بخيار الدولة البسيطة وفقا لمشروع الدستور الذي كانت لجنة مشتركة منبثقة عن قمة الكويت قد أنجزته في العام 1980. وعلى هذا الأساس استعجل البيض التوقيع على اتفاق الوحدة مع صالح، وأبدى مقاومة شديدة ضد المعترضين على التوقيع.

قضى اتفاق 30 نوفمبر 1989 أن يتم إعلان قيام الوحدة في 30 نوفمبر 1990، لكن علي صالح عاد مرة أخرى وطلب من البيض تقديم موعد إعلان قيام الوحدة ستة أشهر، تحسبا لأية متغيرات محلية أو دولية قد تعيق تحقيق الوحدة في 30 نوفمبر 1990. وعلى هذا الأساس جرى تقديم موعد إعلان قيام دولة الوحدة إلى 22 مايو 1990. وهكذا كان غزو العراق للكويت في أغسطس 1990 لاحقا لإعلان قيام الجمهورية اليمنية، ولو أنه جاء سابقا لوقفت صنعاء مع مغامرة صدام، وفي الوقت نفسه ستقف عدن مع مظلمة الكويت، وسيذهب اتفاق 30 نوفمبر 1989 أدراج الرياح، وسيصبح الجنوب دولة مرحبا بها في الخليج، وسيصبح الشمال دولة مكروهة. 

عقب التوقيع على اتفاق 30 نوفمبر 1989 عقد علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض مؤتمرا صحفيا قال فيه علي صالح حرفيا: “لقد جئنا لإجراء حوار مع الإخوة في عدن حول إعادة تحقيق وحدة وطننا اليمني. وقد وجدنا من أشقائنا في قيادة الشطر الجنوبي كل التفهم، وتم إنجاز عمل عظيم وتاريخي كان معطلا من فترة طويلة حيث كانت هناك أوهام وشكوك كانت تغذيها قوى دولية تعيق تطلعاتنا الوحدوية، لكننا اليوم كبرنا وشبينا عن الطوق وشعرنا بمسؤولياتنا استجابة لضغط الجماهير التي تناشد وتهدر مطالبة بإعادة تحقيق الوحدة اليمنية”. وأضاف قائلا: “نحن نقوم بهذا العمل خدمة للجماهير ومراعاة لمشاعرها، ومن أجل هذه القضية مستعدون للتنازل عن مراكزنا القيادية وتركها للشعب ليختار قيادة بديلة إذا كنا غير صالحين”.

ومن جانبه أثنى علي سالم البيض على كلام علي عبد الله صالح وأضاف إليه قوله: “إن الجديد الذي جعل هذه الاتفاقية مختلفة عن غيرها هو أننا اقتنعنا بأن طريق الوحدة هي الديمقراطية، وأصبحنا نربط ربطا وثيقا بين الوحدة والديمقراطية. والشيء الآخر الذي اقتنعنا نحن القيادتين به هو أننا في الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام شركاء بيننا البين وشركاء مع كل القوى الوطنية. إن الاقتناع بالشراكة والديمقراطية هو الجديد الذي جاء بحكم التفاهم بين القيادتين، وبحكم هذا الموقف بدأ العمل الوحدوي يأخذ طابعا آخر”.

         والملاحظ على كلام صالح أنه جاء بلغة إنشائية عن “ضغط الجماهير” و”ترك المراكز القيادية إن لزم الأمر”، دون أي إشارة إلى الديمقراطية والشراكة. وفي الوقت نفسه لوحظ على كلام البيض أنه كان رومانسيا وحالما، إذ كيف يمكن للديمقراطية والشراكة أن تتحققا في دولة الوحدة دون أن تكون هناك ترتيبات مؤسسية ضامنة لذلك خلال فترة انتقالية سابقة لإعلان الوحدة يتهيأ خلالها الشطران للذهاب إلى الوحدة من نقطة انطلاق واحدة.

ما بعد إعلان الوحدة (حقائق مرة):

كشفت الممارسة العملية خلال الثلاث السنوات التي أعقبت قيام دولة الوحدة أن كلام علي صالح في المؤتمر الصحفي المذكور أعلاه كان كله من قبيل المراوغة، وأنه حين كان يوافق البيض على الديمقراطية والشراكة الوطنية إنما كان يستدرج الجنوب إلى الوحدة لضمه وإلحاقه عبر ثلاث خطوات: (إنهاء الشخصية الدولية للجنوب؛ التخلص من جيش الجنوب؛ التخلص من الحزب الاشتراكي). وقد حقق الخطوة الأولى سلميا، بينما حقق الخطوة الثانية والثالثة بواسطة حرب 1994، التي كانت انقلابا على الوحدة المتوافق عليها. ولكن في المقابل أثبتت تلك الممارسة أن البيض كان حالما، وأنه قاد الجنوب إلى وحدة غير مدروسة. ومع ذلك نستدرك ونقول: لولا حلم البيض لما كانت وحدة 22 مايو 1990. نقول هذا لعلمنا أن علي صالح لا يمكن أن يقبل بوحدة لا يكون قادرا على الانقلاب عليها.

أسباب الأزمة التي أفضت إلى حرب 1994:

كل أسباب الأزمة تقع تحت بند الخلاف حول دولة الوحدة، لكن علي صالح وكل من كانوا معه أشاعوا بين الناس أن الخلاف هو حول الوحدة، وقدموا الحرب على أنها بين الانفصالي والمرتد علي سالم لبيض، من جهة، وبين الرباعي المؤمن والوحدوي: علي عبد الله صالح؛ علي محسن الأحمر؛ عبد الله بن حسين الأحر؛ عبد المجيد الزنداني، من جهة أخرى، والمنتصر دائما هو الذي يكتب التاريخ. لكن التاريخ لا يكتب مرة واحدة، ولا تكتبه جهة واحدة.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل : في خطوة مفاجئة ...رئيس مجلس القضاء الاعلى في العاصمة صنعاء يفاجئ الجميع ويتخذ هذا القرار بحق عبدالملك الحوثي

جهينة يمن | 1113 قراءة 

عاجل: "اليمنية" تفاجئ الجميع وتكشف تفاصيل خطيرة عن الاستهداف الذي تعرّضت له آخر طائرة في مطار صنعاء، وتتخذ قرارًا طارئًا.

جهينة يمن | 933 قراءة 

وزير الإعلام: الحوثيون مسؤولون عن تدمير طائرات اليمنية وتحويل مقدرات الدولة إلى رماد

حشد نت | 822 قراءة 

في صنعاء المختطفة.. رصاصة حوثية تطفئ نور أكاديمي

حشد نت | 541 قراءة 

أول تصريح لـ "نتنياهو" عقب ضر/ب مطار صنعاء

صوت العاصمة | 461 قراءة 

عاجل : بشرى سارة ...هذا ما اتفق عليه الرئيس العليمي مع بوتين اليوم على مأدبة الغداء

جهينة يمن | 423 قراءة 

المشاط يظهر في مطار صنعاء بعد غارات اسرائيلية ويتحدث من فوق الركام عن ”مفاجآت مؤلمة”

المشهد اليمني | 389 قراءة 

10 ملايين ريال وسيارتان وامرأتان! .. شاهد اغرب تحكيم قبلي يثير الجدل في اليمن

المشهد اليمني | 368 قراءة 

عاجل:رئيس الحوثيين يقوم بهذا الامر عقب تعرض مطار صنعاء لغارات

جهينة يمن | 300 قراءة 

طارق صالح يبحث مع سفراء الاتحاد الأوروبي مستجدات الأوضاع في اليمن وسبل تعزيز التعاون

حشد نت | 287 قراءة